القفير

القفير

الثقافة السعفية في البيئة المكانية العمانية التقليدية لم تكن مجرد حضور عابر، بل تشكلت ضمن أطر نفعية وجمالية وفلسفية المغزى، وكان لها حفر عميق في المناخ البصري التكويني للطرق التي يتم بها إنجاز تلك السعفيات، التي تثير الدهشة الآن وتثير الأسئلة أيضا، ولكنها في وقتها الكائن أيام زمان كانت أكبر من تلك الثيمات الذهنية .. 

الأوعية التي نراها الآن بأشكال مختلفة، كان السعف مكوّنا أساسيّا فيها، فالأوعية كانت سعفية بامتياز، ولذلك تعددت في أحجامها وأشكالها وجوانب منفعتها في الحياة اليومية، ولعل (القفير)، وهو الحجم الوسط من تلك الأوعية السعفية، هو واحد من الأدوات التي لم يكن ثمة استغناء عنه، والسبب يعود إلى كونه قابلا للاستخدام في أكثر من عمل نفعي مجتمعي، فـ (القفير) كان يتم حمل التراب فيه، وحمل التمر والرطب، وتعليقه على الجدران لوضع الطعام هروبا به من عالم (السنانير). 

إذا كان (القفير) الذي يجيء وسطيا في حجمه وأشكال منافعه، هو الأكثر حضورا وتعددا، إلا أن ثمة ما هو أصغر، ومنها (المحفر)، وهو حجم أصغر، واستخداماته للأمور التي يمكن حملها على الظهر أثناء العمل بطريقة (النحوه)، أما الأكبر فهناك (المِجَدّ)، ومن مسمّاه يتضح ربطه غير المباشر بـ (الجداد) وهو موسم قطف ثمار النخيل، ولهذا الوعاء السعفي طريقة خاصة في التعامل معه، فالرجل الذي يقوم بالطلوع إلى أعلى النخلة من أجل قطع (العذوق) لا يرميها بشكل مباشر إلى الأرض، بل يأخذ (المجدّ) معه، بعد أن يشبكه مع حبل قوي اسمه (الميراد)، وهو - كما يبين من اسمه - مرتبط بالورود من الأعلى نحو الأسفل، أي من أعلى النخلة إلى أسفلها، وهناك في الأعلى يقص العذق بـ (المِجَزّ) ، ثم يضعه في الوعاء الذي حمله معه إلى أعلى، وبعد أن يمتلئ بالعذوق يرسله نحو الأسفل، بعد أن يكون قد أمسك بحبل (الميراد) بقوة، وبعد أن يصل إلى الأرض، حيث يكون في استقباله شخص آخر، يقوم بسحب (المجدّ) من جديد، ليعاود الكرّة مرة أخرى مع بقية (العذوق)، وهكذا حتى ينتهي من كل نخلة على حدة .. 

من ناحية أخرى فإن (المجدّ) يتم حمل (البسر) غير المطبوخ فيه، كما يتم حمل (التمر) إلى (الحاره) من أجل وضعه على (الدعون) المعدة مسبقا لذلك؛ ومن هنا يمكن القول عن الأوعية السعفية التي تختلف أسماؤها ولكنها تنتمي إلى عائلة (القفير) بأن دورها النفعيّ الاجتماعي غير مقترن بوقت محدد، بل مستمر الانتفاع منها إلى أقصى فترة ممكنة من عمر العام الواحد.